إسلام فرنسا في عين الزوبعة

إسلام فرنسا في عين الزوبعة
مصطفى الطوسة

كان من بين الانعكاسات المباشرة للاعتداءات الاٍرهابية التي ضربت فرنسا في الآونة الاخيرة  أن شب جدل عنيف في الأوساط السياسية الفرنسية حول نوعية المعالجة الأمنية و السياسية التي يتوجب على القيادة الفرنسية تبنيها من اجل حماية المجتمع الفرنسي من تكرار هذه الاعتدءات. كانت هناك اللجوء الى  حالة الطوارئ مع كل تبعاتها السياسية و الأمنية ...كانت هناك اقترحات لإعادة هيكلة المنظومة الاستخباراتية الفرنسية لجعلها اكثر فاعلية في محاربة الاٍرهاب ...كان هناك ايضا تكثيف لعمليات القصف التي تقودها القوات الفرنسية ضد معاقل داعش في سوريا ر العراق  ..لكن  أهم نقطة تستحوذ حاليا على ملامح الجدل السياسي في فرنسا تدور حول مكانة الاسلام داخل فرنسا...جدل قديم جديد بدأ يأخذ ابعادا مجتمعية على ضوء الاعتداءات الاٍرهابية  التي استهدفت فرنسا ر أصبحت في تداعيات تهدد مبدأ العيش المشترك الذي يميز الواقع الفرنسي تحت سقف الجمهورية.

وفي خضم ما أصبح يشبه زوبعة إعلامية و سياسية حول وضع الاسلام في فرنسا ظهر رئيس الحكومة مانويل فالس كالرجل  الذي يسلط الاضواء على اشكالية و واقع هذه الديانة في كل خرجاته الإعلامية المتعددة . فهو الذي كشف عن عدة اقتراحات من شآنها ان تنتظم علاقة الديانة الاسلامية بمؤسسات الدولة الفرنسية في إطار القانون الشهير لعام الف تسعمئة و خمسة الذي يفصل الدين عن الدولة ...وقد جاء في هذه الاقتراحات مشروع  اعادة احياء المؤسسة الفرنسية لاسلام فرنسا  التي وضعت من بين أهدافها السهر على توفير تمويل داخلي  لبناء المساجد في فرنسا عِوَض اللجوء الى تمويل خارجي قد تصاحبه اجندات خارجية لا تتلائم مع الخطاب الديني المعتدل الذي تبحث عنه المجتمعات الاروبية  لمواجهة خطاب التطرّف الذي تلجأ اليه المجموعات الاٍرهابية لتجييش و استقطاب شباب الضواحي المهمشة.

وقد فهمت هذه الخطوة التي روج لها مانويل فالس و وزير الداخلية برنار كازنوف على أساس انها انتقاذ مبطن للمؤسسات التمثيلية الحالية لمسلمي فرنسا المنضوية تحت لواء المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية لعدم قدرتها على منع عدوى التطرّف الديني من الانتشار في فرنسا.  وَمِمَّا زاد من صخب هذا الجدل  احتمال ان يعين على رأس هذه المؤسسة الفرنسية المكلفة قضايا ألأسلام شخصية مثل وزير الدفاع الأسبق جان بيير شيفنمان المعروف بمواقفه المدافعة بشراسة عن مبدأ العلمانية . وقد تسائلت بعض الشخصيات السياسية الفرنسية عن مغزى اختيار شخصية غير مسلمة على راس هذه المؤسسة وعن هامش مناوراتها لفرض رؤيا و واقع جديد للإسلام في فرنسا يكون متناغما مع الضروريات الأمنية التي تتطلبها الحرب الايدولوجية على الفكر الاٍرهابي.

المثير للانتباه ايضا ان الفرقاء السياسيين في فرنسا  يميناً و يسار دخلوا في سباق مع الزمن وفي منافسة محمومة حول من  يقترح الإجراءات الأكثر حزما تطمئن الرأي العام الفرنسي الخائف من الاعتداءات الاٍرهابية. و لا شك ان الحقبة الانتخابية التي تعيشها فرنسا لها ثأثير قوي حول نوعية المقاربات المقترحة لإعادة تنظيم الفضاء الاسلامي الفرنسي.
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.