فرانسوا هولاند و البركست و الرهان المزدوج

فرانسوا هولاند و البركست و الرهان المزدوج
مصطفى الطوسة

هناك حقيقة سياسية تفرض نفسها على واجهة الأحداث الفرنسية. لقد أدت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الاروبي الى انتعاش سياسي واعلامي للرئيس فرنسوا هولاند. قبل الاستفتاء كان الرئيس الفرنسي غارقا في مشاكله الداخلية، مكبل الايادي وهو  يحاول الخروج من عنق الزجاجة بعد الباب المسدود الذي وصلت اليه العملية الإصلاحية التي حاول تقديمها للمنظومة الاقتصادية الفرنسية. كان الرئيس هولاند سجين عملية شد الحبال بين حكومته بزعامة مانويل فالس والنقابات الرافضة لمشروعه حيث تزامن هدا الرفض مع إعلان الاشتراكيين تنظيم انتخابات تمهيدية قد يشارك فيها فرنسوا هولاند، في سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة.

وجاء  الاستفتاء البريطاني و القنبلة المدوية التي تمخضت عنه لكي تغير ملامح المرحلة و تعيد النظر في رهاناتها الاساسية. البريطانيون يرفضون البقاء داخل العائلة الأوربية ويريدون طلاقا من إدارة بروكسل التي يحملونها كل الأزمات التي يعانون منها من تهديد لأمنهم الاجتماعي عبر موجات الهجرة التي تصل الى التراب الأوروبي عبر البوابة البلقانية و التركية و الليبية مرورا بالانتكاسة الاقتصادية التي تفرضها سياسية التقشف التي فرضتها ألمانيا و هي تتبوأ الزعامة الأوروبية. وجاءت الرسالة البريطانية بمثابة زلزال سياسي أرغمت القيادات الأوربية على مراجعة حساباتها.

فرنسوا هولاند تعامل مع الأزمة البريطانية على الطريقة الاستعجالية التي يفرضها هذا المنعطف التاريخي. وحاول معالجاتها بما يخدم مصالح الاتحاد الاروبي من وجهة نظر فرنسا و ما يخدم ايضا مصالحه السياسية الداخلية. فقد استغل هذه الأزمة لكي يستقبل جميع زعماء الأحزاب الفرنسية. الهدف من هذا التحرك مزدوج: بلورة استراتيجية فرنسية يقترحها على نظرائه الاروبيين لمحاولة إنقاذ المشروع الاروبي من التفكك و الانفراط، في نفس الوقت  يراهن قصر الاليزي على ان هذه الحقبة السياسية المليئة بعلامات الاستفهام و المراجعات  السياسية و المخاوف المجتمعية  ستمنح فرانسوا هولاند فرصة إظهار قدراته على أنه الرجل القادر على مواجهة التحديات التاريخية التي تهدد البيت الاروبي الموحد.

على المستوى الداخلي يواجه فرنسوا هولاند ضغوطات من الأقطاب المتطرفة في الحياة السياسية الفرنسية يمينية كانت ام يسارية. فهي تطالبه بتنظيم استفتاء لكي يقول الشعب الفرنسي كلمته حول تواجده داخل الاتحاد الأوربي على غرار ما وقع في بريطانيا. بينما تطالبه باقي القوى السياسية بالعمل على بلورة مشروع أروبي جديد يعيد ثقة الأوربيين في بنيانهم المشترك ويجنبهم تأثير التيارات الاروفوبيا التي تدعو الى الانفصال والتشتت والتقوقع على المربع الوطني الضيق. فالرأي العام الفرنسي الرافض حاليا أساسية فرانسوا هولاند الداخلية سيحاسبه ايضا انطلاقا من طريقة ادارته لهذه الأزمة وحجم المقترحات التي يكمن ان يقدمها للمشروع الأوروبي صحبة حليفه الألماني باقي الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي. فهل يستعمل فرانسوا هولاند اشكالية البركسيت كسترة نجاة لإنقاذ مصيره السياسي وإعطاء زخم لطموحاته؟
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.