فرنسا بين التهديدات الإرهابية و الاحتجاجات الاجتماعية

 فرنسا بين التهديدات الإرهابية و الاحتجاجات الاجتماعية
مصطفى الطوسة

تعيش فرنسا هذه الأيام لحظات حرجة في تاريخها. فهي تستقطب إليها الأضواء بسبب احتضانها بطولة أوروبا للأمم الشهيرة وهي تركز أيضا الاهتمام بسبب المخاوف الأمنية التي تتمخض عن  التهديدات الإرهابية التي أطلقتها مجموعات إرهابية ضدها على خلفية موجه الإرهاب التي ضربتها في يناير و نوفمبر الماضيين.

بالإضافة إلى ذلك يهتز مشهدها السياسي و الاجتماعي على  وقع احتجاجات صاخبة تقودها حركات نقابية تميل يوما بعد يوم الى التطرّف في مواقفها و أساليب تعبيرها و ذلك لتحقيق هدف واحد و هو  إرغام الحكومة على التخلي عن قانون العمل الجديد. و هي احتجاجات استولت على الشارع الفرنسي منذ أسابيع طويلة...حاولت ان تشل حركته الاقتصادية و تسببت في انزعاج كبير للمواطن الفرنسي كما تظهر  ذلك التعقيدات في قطاع النقل و في عملية جمع النفايات.

أن يصل موعد انعقاد اليورو ألفين و ستة عشر دون أن تكون حكومة مانويل فالس استطاعت حسم هذا الخلاف الاجتماعي هو بمثابة فشل مدوي لحكامة فرانسوا هولاند. فالتحدي الكبير الذي كان مطروحا بحدة على أجندتها  هو التوصل إلى اتفاق سياسي نقابي لإخماد لهيب الحركة الاحتجاجية قبل تاريخ انعقاد مباريات كأس الأمم. وتنطلق هذه التظاهرة الرياضية و الأزمة الاجتماعية في أوجها والقيادة السياسية غارقة في عجزها مكتفية بتوجيه دعوات إلى حس المسؤولية للنقابات المحتجة بالكف عن هذه الاحتجاجات  لضمان مرور هذه التظاهرة الرياضية في أحسن الظروف . لكن لم تجد حتى ألان هذه الدعوات أذانا صاغية و متفهمة ...مما يرسم في ذهن المواطن الفرنسي حجم الفشل و المأزق الذي وصلت اليه حكومة مانويل فالس.

العامل الثاني الذي يخيم على هذه التظاهرة هو عامل التهديدات الإرهابية. و ما زاد الأمور تعقيدا ان الرأي العام الفرنسي اكتشف ان مصدر هذا الإرهاب لا يأتيه فقط من تنظيمات إرهابية مثل القاعدة او داعش التي تبنت موجة العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا في الأشهر الماضية لكن مصدرها قد يكون داخليا كما توحي بذلك المعلومات التي كشفتها مؤخراً السلطات الأوكرانية عندما أعلنت أنها ألقت القبض على شاب فرنسي وفي حوزته متفجرات و أسلحة وذخيرة حيت أظهرت التحريات الفرنسية الأولى انه يتعاطف مع اليمين المتطرف الحاقد على الأجانب و المطالَب بعمليات ترحيل جماعية للمهاجرين.    

احتجاجات اجتماعية صاخبة  و تهديدات إرهابية قوية في خضم  انعقاد كأس الأمم الأوروبية تجعل فرنسا مركز اهتمام دولي  تصدر إلى العالم صورة بلد تحت ضغط اجتماعي و أمني، يرفض عملية الإصلاح التي تقترحها عليه القيادة الاشتراكية بالتزامن من الاستعدادات لصد مختلف الأخطار الأمنية التي تهدد استقراره و تلاحمه و لعل النتيجة التي ستفضي إليها هذه الحقبة الفرنسية سيكون لها تداعيات حتمية عل المشهد السياسي و الانتخابي الفرنسي على بعد أشهر معدودة من الانتخابات الرئاسية التي ينوي اليمين  من خلالها العودة إلى سدة الحكم.
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.