الواقفون ليلا...ظاهرة ترفض الاندثار ....

الواقفون ليلا...ظاهرة ترفض الاندثار ....
مصطفى الطوسة


شكلت حركة الواقفون ليلا او المرابطون في ساحة الجمهورية الباريسية ظاهرة سياسة استقطبت الاهتمام بقوة لما حملته من عبر سياسية و رسائل موجهة مباشرة للطبقة اليسارية الحاكمة في فرنسا . فهذه الحركة ولدت في خضم الاحتجاجات الصاخبة التي صاحبت المظاهرات التي نددت بقانون العمل الجديد الذي يحمل اسم قانون مريم الخمري . ضراوة الاحتجاج  أدت بالفعاليات أللاجتماعية الغاضبة من هذه الإصلاحات و الرافضة لها من مباشرة طرق جديدة للاستمرار في تعبئة الشارع السياسي و الاجتماعي و كانت فكرة احتلال ساحة الجمهورية و تنظيم حلقات نقاش سياسي فيها طوال الليل .. تحولت هده الظاهرة من وسيلة لإذكاء شعلة الغضب من قانون العمل الجديد إلى إطلاق ورشات سياسية هدفها الأساسي خلق فضاءات حوار جديدة تعطى فيها الكلمة للمواطن العادي يقول رأيه في طريقة إدارة الشأن العام و يقترح حلولا لتحسين مبدأ التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الفرنسي...

النجاح الإعلامي الذي حققته هذه الحركة في بدايتها يوحي بان الهيئات المكلفة تمثيل المواطن الفرنسي و إعطائه الكلمة مثل النقابات و الأحزاب السياسية و التجمعات المهنية فشلت في القيام بمهمتها... ما دفع بالبعض  الى البحث عن سبل و وسائل اخرى للتعبير عن رأيه و إيصال قناعاته للرأي العام الوطني و الدولي ...و في طريقة تنظيم هده الورشات النقاشية يتذكر آخرون منطق الاكورا  القديم agora التي كانت مسرحا لأخذ الكلمة و التعبير بكل حرية عن قناعات المواطن ...

و يجمع المراقبون على اعتبار ان عيوب هده الحركة حتى ألان تكمن في  ان رسالتها لا تزال غامضة و نخبوية  و لم تلق تفاعلا شعبيا يحملها و يتبناها كالتجربة الاسبانية او اليونانية في هذا المجال.... بالإضافة إلى ان النموذج الفرنسي لم يتمخض بعض عن قيادة بقدرتها رسم ملامح برنامج سياسي و خطة عمل ...حيث يبقى الهدف الاسمي لهذه الحركة هو  منطق الاحتجاج  و الدعوة الطوباوية الى ممارسة السياسة بطريقة أخرى  مختلفة عن المقاربات التقليدية ... و قد التأمت كل هذه العناصر لكي تولد الانطباع أن تأثير و عدوى هذه الحركة على المستوى الدولي سيبقى محدودا ...

كان هناك في البداية حماس و فضول  من طرف الرأي العام الفرنسي دفعت و سائل الإعلام إلى تخصيص تغطية كثيفة لهذه الظاهرة...و مع مرور الأيام أصبحت تشكل عبأ أمنيا و سياسيا على حكومة مانويل فالس ..فالمعارضة اليمينية بزعامة نيكولا ساركوزي  تعيب على الحكومة انها سمحت بهذه التجمعات في عز حالة الطوارئ التي تبنتها وزارة الداخلية  تحت ضغط التهديدات الإرهابية و أنها تسامحت مع العناصر المخربة التي استغلتها لزرع الفوضى و اتلاف الاملاك العامة في محيط ساحة الجمهورية ... و قد عبر البعض عن تخوف من تتحول هذه الاعتصامات الليلية إلى تحد أمني للحكومة الفرنسية و هي تباشر سنة انتخابية حاسمة ...حيث تطرح عدة تساؤلات حول الوسائل التي ستستعملها هذه الحكومة لإطفاء لهيب احتجاج حركة الواقفون ليلا  دون السقوط في القمع الأمني المحض ... كيف التعامل سياسيا و أمنيا مع أفراد و شخصيات اختارت ان تُمارس السياسية باحتلالها أماكن عامة و فرضها مطالب خيالية أهم ما تعكسه خيبة الأمل الذي ولدتها المنظومة التقليدية في إدارة  الشأن العام و ممارسة الفعل  السياسي
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.