اليسار المعارض يحرج اليسار الحاكم في فرنسا

اليسار المعارض يحرج اليسار الحاكم في فرنسا
مصطفى الطوسة

يعتبر يوم الإضراب العام الذي دعت إليه عدة مؤسسات نقابية في فرنسا مؤشرا هاما على حيوية الصراع  الذي يجمع منذ فترة اليسار المعارض باليسار الحاكم.  قانون العمل الجديد الذي يحمل اسم وزيرة العمل مريم الخمري و الذي سنه رئيس الحكومة مانيول فالس  و وزير الاقتصاد امانويل ماكرون بمباركة رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند هو مصدر الاحتجاجات الاجتماعية و الانتقادات السياسية .حيث وجهت لهذا القانون  اتهامات  من طرف منظمات نقابية انه يكسر ما سمي تاريخيا بالنموذج الاجتماعي الفرنسي و انه يعيد النظر في ما يعرف إعلاميا بالمكتسبات الاجتماعية الفرنسية و انه يمنح هدايا ثمينة لأرباب العمل على حساب حقوق العمال. و يرد المدافعون عن هذا القانون بالقول انه يهدف أساسيا الى تحرير الطاقات داخل المقاولات الفرنسية عبر منحها ليونة قانونية أكثر للتعامل مع سوق العمل و عبر تقديم إصلاحات لقانون عمل أصبح  يشكل عقبة أمام دخول الاقتصاد و المقاولات الفرنسية على وثيرة المنافسة العالمية.

كيفما تكون نتيجة عملية شد الحبال هته بين معارضين و مؤيدين لهذا القانون فان تبعاته السياسية أصبحت واضحة المعالم اليوم . فعلى غرار الجدل الصاخب الذي تسببت فيه فكرة سحب الجنسية في خضم الاعتداءات الإرهابية التي ضربت باريس و التي تسببت في شرخ عميق داخل تجمعات اليسار الفرنسي.. هاهو الجدل حول قانون العمل يسمم  الأجواء السياسية فرنسا بين يسار غاضب من سياسة اليسار الحاكم الاقتصادية. و لغرابة الوضع السياسي الذي  تعيشه فرنسا هذه الأيام  أن هذا القانون الذي سنه فرنسوا هولاند يحظى بدعم قوي من طرف اليمين الذي يدعو الرئيس الفرنسي عبر منابره الإعلامية إلى الاستماتة في دعم هذا القانون و الإبقاء على مقوماته  وعدم التراجع امام الهجمات السياسية التي  يشنها عليه خصومه ... و قد اثأر الانتباه هذا الدعم من اليمين بشكل محرج للثنائي هولاند/فالس اذ يؤكد بطريقة او بأخرى في رأي معارضيه  أن هذا القانون عِوَض اي يخدم مسلسل الإصلاح الذي يرفع هولاند شعاره يقدم تنازلات لأرباب العمل ومن تم هذا الارتياح المدوي الذي تعبر عنه أوساط اليمين .

و تحت ضغط الرأي العام الفرنسي الذي وقع عريضة مليونية ضد قانون العمل مريم الخمري  وعد الرئيس هولاند ورئيس حكومته بإجراء تعديلات على مسودته لما يطمأن الخائفين من تبعاته السلبية . لكن هناك قناعة كبيرة لدي الأوساط السياسية الفرنسية من ان  الطريقة التي ستدار بها هذه الأزمة سيكون لها تأثير حاسم على الأجندة السياسية المقبلة. ويرى مراقبون ان فرنسوا هولاند سجين خيارين اما أن يتراجع على هذا القانون ويفرغه من مضامينه و يتسبب بذلك في أزمة مع رئيس حكومته مانويل فالس الذي تقول كواليس السياسية الفرنسية انه ربط مصيره بنجاح هذا الإصلاح و إما أن يمضي قدما في هذا القانون و يسبب في طلاق لا رجعة  فيه بينه و بين مكونات اليسار السياسية و النقابية مع كل انعكاسات ذلك على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.