المغزى السياسي من قضية جيروم كاهوزاك

المغزى السياسي من قضية جيروم كاهوزاك
مصطفى الطوسة

تأتي محاكمة جيروم كاهوزاك وزير المالية السابق المتهم  في قضية تهريب ضرائبي و إخفاء حساب بنكي سري له في سويسرا لتسلط الاضواء على الأخطاء الاولى التي ارتكبت في عهد الرئيس فرانسوا هولند و التي شكلت منعطفا خطيرا وضع الرئيس الاشتراكي في ورطة إيديولوجية و أخلاقية لم يسبق لها مثيل .. الرئيس هولاند كان استطاع الوصول إلى  قصر اللاليزي بعد   هزيمة نيكولا ساركوزي اليميني عبر اختياره لإستراتيجية انتخابية مبنية على إحداث قطيعة سياسية بين عهده و العهد السابق الذي استقطب فيه نيكولا ساركوزي الأضواء من خلال عدة مواقف وصفها الاعلام الفرنسي بأنها ساهمت في أضعاف مؤسسة الرئاسة.

جيروم كاهوزاك الذي أرغمه الرئيس هولاند على الاستقالة يواجه امتحانا قضائيا عسيرا قد يقوده الى السجن بعد ان ارتكب جرم الكذب المشهود و العلني  أمام الرأي العام الفرنسي و أمام الجمعية الوطنية وكونه كان يتبوأ منصب وزير المالية يجعل من اتهامه بالتهريب الضريبي ضربة قوية لمصداقية العمل السياسي و إدارة شئون الدولة من طرف يسار بنى مجده السياسي على مقاربته المختلفة و الأخلاقية و يمين متهم بكل التجاوزات. و قد استغلت المعارضة لفرانسوا هولاند هذا الحادث لكي  تضعه أمام تناقضاته بين كلام و وعود انتخابية و بين واقع و ممارسات فعلية. فالفضيحة المدوية التي كان بطلها جيروم كاهوزاك بعثت برسالة سلبية إلى الرأي الفرنسي المشكك أصلا في وجود اختلاف بين اليمين و اليسار و ساهم بقوة في إنعاش ما يسمى في فرنسا بالعقلية /البوجادية/ الرافضة لمختلف أطياف الطبقة السياسية في شكلها التقليدي .

وقد استغل اليمين المتطرف  بزعامة مارين لوبين تداعيات فضيحة كاهوزاك  ليركب هذه الموجه و يحاول ان يقنع الناخب الفرنسي بان لا فرق يوجد بين يمين متورط تاريخا في مختلف أنواع الفضائح السياسية و الإدارية مع رئيس نيكولا ساركوزي محب لمظاهر البذخ أطلق عليه الإعلام صفة الرئيس / بلينغ بلينغ / وبين يسار يختفي وراء قناع العفة و التضحيات  و القناعات القوية بخدمة المصلحة. و قد جائت الاختراقات الانتخابية التي حققها حزب الجبهة الوطنية في  على حساب الأحزاب التقليدية  في الاستحقاقات الماضية لتعكس مدى فقدان الطبقة السياسية لمصداقيتها بسبب هفوات بعض أعضائها البارزين .

و هو يهيئ نفسه الى ولاية ثانية لا شك ان الرئيس هولاند سيضع نصب أعينه رهانات هذه المحاكمة السياسية الأخلاقية التي قد ترتد حتما على أدائه و حصيلته السياسية و على استعداد الفرنسيين في تجديد الثقة له. و قد يجيب هولاند على منتقديه انه فور التوصل الى حقيقة هذا الانتهاك الأخلاقي الذي ارتكبه كاهوزاك سارع باتخاذ قرارات حاسمة في الوقت الذي يشهد التاريخ أن اليمين تلكأ و ناور و حاول حماية مرتكبي هذه التجاوزات . لكن كل ذلك بحسب المراقبين لن يشفع لليسار الحاكم و لن يعفيه من مسئوليته التاريخية في الانزلاقات التي عرفتها الحياة الفرنسية تحت ولاية فرانسوا هولاند.
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.