صورة الصبي السوري التي أبكت العالم

صورة الصبي السوري التي أبكت العالم
مصطفى الطوسة

أنتجت الأزمة السورية منذ انطلاقها صورا ومشاهد مروعة هزت العالم و طبعت ذاكرته بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ النزاعات المعاصرة...فقد أصبح النزاع السوري الذي تتنازع فيه حركات متشددة  إرهابية و أخرى معارضة  معتدلة مع النظام السوري  مسرحا لأحداث فاقت في عنفها ما يمكن ان يتصوره الخيال...و قد دخل العالم و وسائل الأعلام الدولية في وثيرة استهلاك شبه عادي  لهذا العنف و الترويج له كمؤشر على فداحة أزمة الحكم التي تعيشها سوريا منذ أكثر من اربع سنوات ...

وجاءت صورة الصبي الذي لفظت مياه المتوسط جسمه و هو يحاول و عائلته الهروب من الجحيم السوري عبر السواحل التركية متوجهين إلى اليونان لتستقطب كل الأضواء مجسدة في لحظة واحدة و تاريخية  مآسي  الشعب السوري المضطهد بين  أنياب نظام قاهر و نيران مجموعات إرهابية لا ترحم ... البعض قارن هذه الصورة بتلك التي لخصت حرب الفيتنام او الضربة النووية الأمريكية ضد اليابان في خضم الحرب العالية الثانية او تلك التي أظهرت مواطنا  صينيا يقف بكل شجاعة أمام دبابة في ساحة تينانمين الشهيرة.... كلها صور جسدت منعطفات تاريخية  دخلت ذاكرة التاريخ  و شكلت محطات هامة غيرت مجرى التاريخ ...

كان لصورة الصبي السوري وقع قوي  في شبكات التواصل الاجتماعي التي تناقلتها بسرعة البرق و علقت عليه بلغة مأساوية وتعابير مبكية حاولت ان توقظ الضمير العالمي و تجعله يتجاوب مع واقع الشعب السوري المرير ...و أحيانا كانت اللغة ساخرة و متهكمة بكثير من الآسي على الواقع العربي الذي ترفض بلدانه فتح ذراعيها لاحتضان اللاجئين السوريين ...ما يرغمهم الى التوجه الى أوروبا وخوض المغامرة البحرية المحفوفة بمخاطر الغرق ....

و جاء التوقيت و الظرفية السياسية الأوروبية التي ظهرت فيه هذه الصورة لتعكس حجم المآسي التي تشكلها ظاهرة اللاجئين السوريين ..فأوروبا الخائفة من موجات اللاجئين الذين يتدفقون على سواحلها عبر البوابة البلقانية و الليبية تحاول ان تقيم سياجا أمنيا لحماية ترابها وقد نشب جدل داخل الأوساط الإعلامية الاروبية حول ضرورة نشر هذه الصور و التعليق على أبعادها .. ففي الوقت الذي وضعتها الصحافة الألمانية والبريطانية على واجهتها محاولة استغلال هذا الكليشيه لتسليط الضوء على محن اللاجئين و الملاحم التي يقومون بها قصد الهروب من ويلات الحروب ..امتنعت معظم  الصحف الفرنسية عن نشرها في صفحاتها الأولى معتبرة انه من غير اللائق عرض مثل هذه الصور . 

صورة الصبي السوري و هو ملقى على شاطئ تركي كالنائم إلى الأبد..  بعيدا عن أهله و وطنه...  في عزلة  الموت و الغرق... كانت مدوية من ناحية الرسالة المأسوية التي حملتها إلى الرأي العام الدولي .. صورة تكلمت بكل اللغات و خاطبت الضمير العالمي و دعته إلى اليقظة .. هناك مأساة شعب يقتل و يشرد وأمهات تفضلن الارتماء في أحضان البحر الملتهم لأبنائهن عِوَض البقاء في الجحيم السوري....  
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.