فرنسا المغرب ...منطق الطلاق الممنوع


فرنسا المغرب ...منطق الطلاق الممنوع
مصطفى الطوسة

تمر العلاقات المغربية الفرنسية بحقبة من البرودة لم يشبه لها مثيل منذ القطيعة التي جرت بين الرباط و باريس ايام الملك الحسن الثاني و الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران بعد صدور الكتاب الشهير لجيل بيرو "صديقنا الملك" في تسعينيات القرن الماضي . وقتها نشبت حرب إعلامية بين البلدين تلتها فترة جليد طويلة ادخلت العلاقات بينهما في عملية شد حبال تركت بصماتها  في ذاكرة البلدين .

و اليوم و في الوقت الذي كانت فيه العلاقات تأخذ منحاها الطبيعي بين بلدين تربطهما وشائج التاريخ الثمينة و روابط الاقتصاد المتينة و تحالفات استراتيجية قوية انفجرت قنبلة باردة عكرت صفو هذه العلاقة و وضعتها على سكة النفور والغضب  و الامتعاض ..و جاء توقيتها ليفاجأ الجميع و يربك كل الحسابات و يهدد بتغيير كل المعادلات ...انطلقت شرارتها عندما بعث القضاء الفرنسي بفريق أمن الى مقر السفارة  المغربية في باريس يحمل استدعاء قضائيا موجها لعبد اللطيف الحموشي مدير المخابرات الداخلية المغربية بعد ان رفعت ضده شكوى من طرف مواطنين فرنسين من أصل مغربي بتهمة ممارسة التعذيب...

و كانت ردة فعل المغرب ان استشاط غضبا باردا و جمد تعاونه القضائي مع فرنسا في مثل هذا الشهر من العام الماضي  ...و قتها كانت المقاربة في أوساط الحكم في الرباط و باريس مبنية على قناعة ان رياح هذه الأزمة عابرة لا يمكن ان تؤثر في المخزون الصلب الذي يؤطر العلاقات بين البلدين و ان المياه ستعود الى مجاريها في أسرع وقت بعد ان تهدأ الخواطر و الاعصاب ...لكن سرعان ما لاحظ الجميع ان الجرح أعمق مما كان البعض يتصور و ان شرخ القطيعة أوسع ...كانت للمغرب شروط قبل ان يستأنف تعاونه القضائي يطرح اشكالية المتابعات القضائية العبثية التي قد تستهدف شخصيات سياسية مغربية تطأ قدماها التراب الفرنسي و لم يكن لفرنسا جواب مقنع ...فاستمر النفور و اتسعت هوة الخلاف خصوصا بعدما تولدت قناعة لدى المسئوليين المغاربة ان هناك جماعات ضغط مناوئة لمصالح المغرب تنشط داخل منظومة الحكم الفرنسية لمنع اي تقارب و لتأجيج الخلافات بين باريس و الرباط  ... ومن تم الزيارات بين البلدين التي أعلن عنها و تم الغاؤها في ضوضاء سياسية زادت من عتمة الأزمة 

و جاءت احداث شارلي ايبدو الإرهابية و اكتشف الجميع ان غياب التعاون الأمني و الاستخباراتي بين المغرب و فرنسا قد تكون له تداعيات على الحرب المشتركة ضد الاٍرهاب و الخلايا النائمة خصوصا و ان  التعاون المغربي الإسباني اصبح نموذجا يحتذي به في المنطقة ..و من تم ارتفعت أصوات من اليمين و اليسار لتندد بهذه القطيعة و تطالب بعودة المياه الى مجاريها بين الرباط و باريس...و تبيت بعدها ان المغرب و فرنسا يعيشان منطق الطلاق الممنوع  و المستحيل بحكم المصالح المشتركة التي تعلو على اي خلاف مهما كانت حدته و عمقه.         
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.