نيكولا ساركوزي و العودة الى الماضي

 

بالرغم من ان لا احد في المشهد السياسي الفرنسي  كان يشك من ان  نيكولا ساركوزي سيعود يوما ما  الى ممارسة العمل السياسي و ان الرجل ليس من طينة هؤلاء الذين يتقاعدون من الحياة السياسية بعد هزيمة انتخابية كيفما كان حجمها...الا ان الجميع فوجئ بالزخم السياسي و الاعلامي الذي صاحب هذه العودة ..و كأن نيكولا ساركوزي أرغم على الخروج من عزلته للعودة الى المعترك السياسي الفرنسي..ساركوزي حاول ان يتقمص شخصية الرجل المعجزة الذي يملك بين أصابعه الوصفة السحرية لحل المشاكل المزمنة التي يواجهها المجتمع الفرنسي ...

عاد إذن ساركوزي و عادت معه خصال حكمه المتمثّلة في طاقاته المتجدد و قدرته على التأثير في مسار الأمور  و عيوب شخصيته التي تعرف عليها الفرنسيون  عبر مزاج متفجر  يلجأ قي بعض الأحيان الى كلمات بذيئة للتعبير عن علاقات متأزمة ...حاول الرجل ان يعطي الانطباع انه تغير و ان شخصيته و مزاجه قد تأثرا ايجابا بهذه العزلة التي فرضت عليه بعد هزيمته امام الاشتراكي فرانسو هولاند ..و قد راهن ساركوزي على ضرورة إقناع الفرنسيين انه اكتسب حكمة قوية و استخلص العبر من محنة الهزيمة لكي يراهنوا عليه كرجل المستقبل...

على الصعيد السياسي استغل نيكولا ساركوزي عنصرين هامين اثرا بشكل حاسم على عودته السياسية .. العنصر الاول انه توصل الى قناعة ان عائلته اليمينية عجزت على خلق قيادة توحد صفوفه و تقود معاركة الانتخابية المقبلة و من تم الإحساس بفراغ في القيادة قد  يصب في مصلحة اليمين المتطرف اذا لم يتم ملؤه ...فقيادات الحزب استقطبت اهتمام الاعلام عبر صراعات قياداتها و ذلك على خلفية الفضيحة المالية التي أطاحت بجان فرنسوا كوبي و فتحت باب رئاسة الحزب بطريقة مستعجلة...

العنصر الثاني و هو الإقرار بطريقة لا غبار عليها ان الحكم الاشتراكي الذي يقوده الثنائي هولاند /فالس قد خيب امال الفرنسيين و دفع بالبعض الى الدخول في قطيعة و تحد للسلطة السياسية و خير دليل على ذلك الوضع الاجتماعي الملتهب الذي تعيشه فرنسا . و قد شكلت الاختراقات الانتخابية التي حققتها اليمين المتطرف في الانتخابات الاروبية و البلدية بمثابة إنذار قوي على حجم هذه الخيبة و إمكانية ان يستغل اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين هذه الوضعية للاستلاء على مقاليد الحكم و الدخول الى قصور الجمهورية عن طريق صناديق الاقتراع...

نيكولا ساركوزي يعول كثيرا على  تظافر هذين العنصريين لاقناع الفرنسيين بانه قادر على حل مشاكلهم كما يعول ايضا على مايمكن ان نسميه بالحظ الطبيعي او مايطلق عليه الفرنسيون بالبركة  الذي صاحب مسيرته السياسية و الذي سمح له بتخطي اعنف و أشد العقبات السياسية للعودة الى لعب الأدوار الاولى بعد ان كان اعداؤه دفنوه سياسيا و جعلوا منه فعلا ماضيا لن يعود... و التحدي الكبير الذي سيواجهه ساركوزي يكمن في إقناع أصدقائه المشككين و المعارضين لعودته  قبل ان يبارز اليسار المتربص لعودته
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.