نيكولا ساركوزي بين استراتيجية الضحية وخلفيات التسييس

بعد المحنة التي مر بها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مراكز الشرطة و التهم الخطيرة التي وجهت له باستغلال النفوذ و الرشوة كان أمامه عدة حلول للتعامل مع هذه المعادلة السياسية الجديدة ...اما ان يلزم الصمت الاعلامي و السياسي في انتظار نتائج المسطرة القضائية و اما ان يأخذ بزمام المبادرة و يحاول إقناع الرأي العام ببراءته من كل التهم التي تلاحقه في قضايا فساد سياسي منذ سنوات و يقيم دخانا سميكا يغطي على النار التي تهدد بالتهام مستقبله السياسي ...الذين راهنوا على الصمت خسروا رهانهم لان طبيعية الرجل السياسية لاتسمح له بان ينحني امام هجمات الخصوم... مزاجه القتالي فرض عليه ان يتبنى مبادرة المواجهة الساخنة مع الرأي العام و الطبقة السياسية سواء كانت في الحكم او المعارضة...

ومن تم هذه الخرجة الإعلامية لنيكولا ساركوزي....وهي تحمل رسالتين أساسيتين ...الاولى انه حاول لعب دور الضحية امام رأي عام فرنسي يراهن على ان هذه الملاحقات القضائية المتعددة و المبالغ فيها حسب تقديره ستستفزه و تجعله يتعاطف معه و ينفر من هذه العقلية التي تحركها آلية الانتقام . ولإيصال هذه الرسالة استعمل نيكولا ساركوزي كل قدراته الخطابية لكي يستقطب و يقنع الفرنسيين ..فهو قبل ان يكون رجلا سياسيا محنكا محامي يملك فن المرافعة ...و خلال هذه المقابلة التلفزيون ظهر نيكولا ساركوزي للفرنسيين على الوجه المعهود ...رجل يقاتل بشراسة و يدافع عن نفسه بضراوة و حماس كبيرين ..وقد حاول استمالة عطف الرأي العام الفرنسي عندما تحدث بنبرة مأساوية عن الأسباب التي دفعت بالقضاء الفرنسي الى لاستماع له في ظروف الاحتجاز في الوقت الذي كان فيه من الممكن ان يستمع لشهادته دون اللجوء الى مسطرة الحراسة النظرية...و لقد ذكر نيقولا ساركوزي بقضية وزير المالية الاشتراكي جيروم كاهوزاك الذي تبثت عليه تهمة التهريب الضريبي ولكن لم يتم استدعائه و احتجازه لساعات طويلة...

الرسالة الثانية التي حملتها الإطلالة التلفزيونية لساركوزي هي محاولته الحثيثة لنقل هذه القضية على الساحة السياسية فهو وجه انتقاذات لاذعة لكل من وزيرة العدل كريستيان طوبيرا و رئيس الحكومة مانويل فالس و للرئيس فرانسو هولاند ...و جاءت هذه الانتقاذات لتحمل في طياتها اتهامات مباشرة للحكم الاشتراكي بانه يستعمل القضاء لأهداف ساسية محضة ويسخره لخدمة أجندته الانتخابية ..نيكولا ساركوزي مقتنع بان هذه النبرة الدراماتيكية التي تعامل بها القضاء معه هدفها الأسمى هو تلطيخ سمعته لدي الفرنسيين و منعه من العودة لمبارزة الاشتراكيين خلال الرئاسيات المقبلة ...

و عندما سئل عن نواياه ومشاريعه السياسية أكد ساركوزي انه لن يتخلى عن طموحه و انه سيعلن ذلك في نهاية الصيف... و هو يتحدث للفرنسيين لابد ان الرئيس الفرنسي السابق المعروف بدهائه السياسي لا حظ ان الشخصيات اليمينية الصديقة الي خرجت الى الحلبة للدفاع عنه اقتصرت أساسا على الأصدقاء المقربين اما الشخصيات الوازنة في الحزب فلزمت صمتا مريبا يطرح اكثر من علامات استفهام حول استعدادها لاستقبال نيكولا ساركوزي كزعيم أوحد لليمين ...
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.