داعش يضع أوباما في مأزق مكلف سياسيا

  لم يكن الرئيس الامريكي يتوقع يوما و هو يسن عقيدته الأمنية القاضية بوضع حد للحروب التي أطلقها الجمهوريون في أفغانستان و العراق انه سيجد نفسه محاصرا داخليا و خارجيا بضرورة التدخل العسكري الخارجي . الرجل أمضى مرحلة كبيرة من ولايته الأولى و هو يهيئ الرأي العام الامريكي و الدولي بحتمية عودة الجنود الأمريكيين الى ثكناتهم في الولايات المتحدة ..و كان التحدي الأكبر الذي ينتظره هو سلاسة المرحلة الانتقالية و كيفية اخراج القوات الامريكية مما اصبح يشبه مستنقعات أمنية لا أفق فيها لحل سياسي يؤمن الاستقرار المنشود...

و بموازاة فلسفة هذا الانسحاب العسكري من عدة مسارح دولية بلور الرئيس أوباما مقاربة أمنية تسمح له بالاستمرار في محاربة الإرهاب التي أصبحت في الولايات المتحدة من مقدسات العمل السياسي و الأمني منذ اعتداءات نيويورك . هذه المقاربة ترتكز على خيارين أساسيين الاول هو اللجوء الى الطائرة بدون طيار لكسر العمود الفقري للجماعات الارهابية و قد شكل اليمن و باكستان الحلبتين الأساسيتين اللتين مورست فيهما هذه الطريقة الحربية و الخيار الثاني ينص على نشر مؤقت لقوات أمريكية خاصة يكون هدفها التخلص او القاء القبض على أهداف قاعدية ارهابية ثمينة ..و كانت لبيا اهم بلد نشطت فيه هذه القوات الامريكية مع القاء القبض على أبو أنس الليبي في طرابلس و احمد ابو ختالة المتهم بتدبير الاعتداء الذي ذهب ضحيته السفير الأميركي في بنغازي ..

و بموازاة هذه الانتقاذات التي جاءته من الداخل الأميركي عبر جمهوريين يحنون الى عهد الرئيس جورج بوش و حلفاء إقليمين كانوا يراهنون على القوة الضاربة الامريكية استمات الرئيس باراك أوباما في الدفاع عن خياراته الاستراتيجية ..و جاءت قضية الاختراقات العسكرية التي حققتها داعش العراق لتضع هذه المقاربة على المحك ..أوباما رفض في الوهلة الاولى الإذعان لهذا الضغط الجديد و اكتفى بالإعلان عن إرسال ثلاثمئة مستشار عسكري لمساعدة الجيش العراق و قد اعتبرت هذه الخطوة غير كافية لصد الخطر الداعشي .و عندما توعدت هذه المجموعات الارهابية باستهداف السفارة الامريكية في بغداد و عد البيت الأبيض بإرسال مئتي جندي أمريكي لتعزيز حمايتها خصوصا و ان كابوس ما وقع للسفارة الامريكية في طهران في نوفمبر ١٩٧٩ لا يزال يؤرق الذاكرة السياسية الامريكية ..

و على ضوء هذه المعطيات التي أنتجت معادلة أمنية جديدة يجد براك أوباما نفسه مرغما على اعادة النظر في طريقة معالجتها .فاوباما الذي راهن على القلم و الهاتف لحل الأزمات يواجه تحديا كبيرا و صعبا ..فأما ان ينزل الى ساحة الحرب للقضاء على داعش و استئصالها و ذلك يتطلب بطريقة او باخرى اللجوء الى القوات الامريكية و اما ان يتركها تنمو بشكل مخيف و تهدد امن و استقرار المنطقة و هي اشكالية يمكن ان يدفع أوباما ثمنها غاليا ...صحيح انه لن يتقدم الى ولاية إضافية بحكم قانون الانتخابات الامريكي لكن هذا لا يمنعه من ان ينعكس التعامل مع هذه الأزمات على الديموقراطيين الذي أصبحت تجسد آمالهم في الحفاظ على البيت الأبيض السيدة هيلاري كلينتون ..كيفما كان الخيار الذي سيتبعه أوباما يكون داعش قد أرغم الرئيس الأميركي على اعادة النظر في قناعاته الاستراتيجية و الحربية.
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.