أوروبا و إشكالية البيئة الحاضنة

أوروبا و إشكالية البيئة الحاضنة 
مصطفى الطوسة

أثارت التصريحات التي أدلى بها وزير الشباب و الرياضة الفرنسي باتريك كانير عن إمكانية تواجد أوجه شبه بين أحياء فرنسية و حي مولنبيك البلجيكي الشهير الذي فرخ عدة خلايا إرهابية   جدلا كبيرا في الأوساط السياسة الفرنسية لما قد يعتبر عملية توجيه أصابع الاتهام إلى أحد مكونات المجتمع الفرنسي. اليمين و اليمين المتطرف صفقا لهذه التصريحات و أعتبرها مصادقة على مقاربته المتشددة السياسية و الأمنية لقضايا الهجرة في حين تسببت هذه التصريحات في انزعاج و حرج في صفوف اليسار الذي اعتبرت بعض قياداته بأن المسئولية تقع على عاتق اليسار الحاكم الذي لم ينفذ سياسيات ترفع الحصار الاجتماعي على بعض الأحياء في فرنسا و تؤكد تواجد الدولة عبر حضور أمني مميز و قطاعات عامة نشيطة ... و تأتي تصريحات الوزير الفرنسي كامتداد لموقف قوي كان عبر عنه رئيس الحكومة مانويل فالس عندما انتقد وضع الابارتايد apartheid الذي تعيشه بعض الأحياء الفرنسية.

الحديث عن إمكانية تواجد /مولانبيكات/ في فرنسا جاء ليذكي شعلة الانتقادات الموجهة للحكومة  بإتباع سياسية متراخية اتجاه عوالم الهجرة التي استطاع الخطاب الداعشي ان يخترقها و يجيش فيها عناصر تشارك في العمليات القتالية في سوريا و العراق و تعود إلى التراب الأوروبي لارتكاب عمليات ارهابية ..وعلى خلفية هذه الجدل ارتفعت أصوات توجه أصابع الاتهام الى ما يسمى بالبيئة الحاضنة لهذا الخطاب المتهمة بالتناغم معه  وبتشجيعه و توفير الموارد البشرية لتحقيق مشاريعه الإرهابية ..هذا الاتهام كان ضمنيا و خجولا قبل اعتداءات باريس و بروكسيل و أصبح علنيا خصوصا منذ ان اقترح مجازا  احد رموز التحليل السياسي في فرنسا اريك زمور /صاحب كتاب الانتحار الفرنسي الشهير  /أن تقصف فرنسا حي مولانبيك عِوَض قصف معاقل داعش في سوريا و العراق ...ما عكس وقتها حدة  النقاش و المقاربات..

الاتهام موجه حاليا ،إعلاميا  على الأقل ، لهذه الجاليات العربية و المسلمة المنتشرة في أوروبا بحجة أنها تعيش منعزلة على المجتمعات التي تحتضنها  رافضة نموذج عيشها و القيم التي تؤطرها . و يذكر المحللون ان هذه  العزلة اتسعت هوتها بسبب واقع التهميش الاجتماعي الذي كرسه  تأثير الفضائيات العربية و مواقع التواصل الاجتماعية  التي تروج لخطاب متشدد أصبح يلقى آذانا صاغية في صفوف مكوناتها و شبابها  .و على خلفية هذا الواقع  تطرح على هذه الجاليات عدة تحديات ابرزها اتخاذ مواقف منددة بهذه الأعمال الإرهابية في خطوة تهدف إلى رفع الغطاء على مرتكبيها و محاولة القضاء على فكرة الطابور الخامس الذي يحاول البعض إلصاقها بها. هذه الجاليات العربية المسلمة تعيش حاليا   فترة عصيبة في الفضاء الأوروبي  إذ تنظر لها بعض القوى السياسية كشماعة يعلق عليها فشل الحكومات في إيجاد حلول  اقتصادية و أمنية لمحاربة الإرهاب  ويطلب منها إن تعبر بأقوى الأساليب بالتعبير عن تعلقها و وفائها للوطن و بمبدأ العيش المشترك ...
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments

Post new comment

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.
  • No HTML tags allowed

More information about formatting options

CAPTCHA
This question is for testing whether you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.